فصل: رُجُوعُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: زاد المعاد في هدي خير العباد (نسخة منقحة)



.فصل ظُهُورُ إبْلِيسَ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ الْكِنَانِيّ وَوَسْوَسَتُهُ لِقُرَيْشٍ:

وَلَمّا عَزَمُوا عَلَى الْخُرُوجِ ذَكَرُوا مَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي كِنَانَةَ مِنْ الْحَرْبِ فَتَبَدّى لَهُمْ إبْلِيسُ فِي صُورَةِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ الْمُدْلِجِيّ، وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ بَنِي كِنَانَةَ، فَقَالَ لَهُمْ لَا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النّاسِ وَإِنّي جَارٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ كِنَانَةُ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ فَخَرَجُوا وَالشّيْطَانُ جَارٌ لَهُمْ لَا يُفَارِقُهُمْ فَلَمّا تَعَبّئُوا لِلْقِتَالِ وَرَأَى عَدُوّ اللّهِ جُنْدَ اللّهِ قَدْ نَزَلَتْ مِنْ السّمَاءِ فَرّ وَنَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ فَقَالُوا: إلَى أَيْنَ يَا سُرَاقَةُ؟ أَلَمْ تَكُنْ قُلْتَ إنّك جَارٌ لَنَا لَا تُفَارِقُنَا؟ فَقَالَ إنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إنّي أَخَافُ اللّهَ وَاللّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَصَدَقَ فِي قَوْلِهِ إنّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ وَكَذَبَ فِي قَوْلِهِ إنّي أَخَافُ اللّهَ وَقِيلَ كَانَ خَوْفُهُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَهْلَكَ مَعَهُمْ وَهَذَا أَظْهَرُ. وَلَمّا رَأَى الْمُنَافِقُونَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ قِلّةَ حِزْبِ اللّهِ وَكَثْرَةَ أَعْدَائِهِ ظَنّوا أَنّ الْغَلَبَةَ إنّمَا هِيَ بِالْكَثْرَةِ وَقَالُوا: {غَرّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ} [الْأَنْفَالِ 149]، فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنّ النّصْرَ بِالتّوَكّلِ عَلَيْهِ لَا بِالْكَثْرَةِ وَلَا بِالْعَدَدِ وَاللّهُ عَزِيزٌ لَا يُغَالَبُ حَكِيمٌ يَنْصُرُ مَنْ يَسْتَحِقّ النّصْرَ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا، فَعِزّتُهُ وَحِكْمَتُهُ أَوْجَبَتْ نَصْرَ الْفِئَةِ الْمُتَوَكّلَةِ عَلَيْهِ.

.اسْتِشْهَادُ عُمَيْرِ بْنِ الْحُمَامِ:

وَلَمّا دَنَا الْعَدُوّ وَتَوَاجَهَ الْقَوْمُ قَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي النّاسِ فَوَعَظَهُمْ وَذَكّرَهُمْ بِمَا لَهُمْ فِي الصّبْرِ وَالثّبَاتِ مِنْ النّصْرِ وَالظّفْرِ الْعَاجِلِ وَثَوَابِ اللّهِ الْآجِلِ وَأَخْبَرَهُمْ أَنّ اللّهَ قَدْ أَوْجَبَ الْجَنّةَ لِمَنْ اُسْتُشْهِدَ فِي سَبِيلِهِ فَقَامَ عُمَيْرُ بْنُ الْحُمَامِ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللّهِ جَنّةٌ عَرْضُهَا السّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ؟ قَالَ نَعَمْ. قَالَ بَخٍ بَخٍ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ مَا يَحْمِلُكَ عَلَى قَوْلِكَ بَخٍ بَخٍ؟ قَالَ لَا وَاَللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ إلّا رَجَاءَ أَنْ أَكُونَ مِنْ أَهْلِهَا، قَالَ فَإِنّكَ مِنْ أَهْلِهَا قَالَ فَأَخْرَجَ تَمَرَاتٍ مِنْ قَرَنِهِ فَجَعَلَ يَأْكُلُ مِنْهُنّ ثُمّ قَالَ لَئِنْ حَيِيتُ حَتّى آكُلَ تَمَرَاتِي هَذِهِ إنّهَا لَحَيَاةٌ طَوِيلَةٌ فَرَمَى بِمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ التّمْرِ ثُمّ قَاتَلَ حَتَى قُتِلَ. فَكَانَ أَوّلَ قَتِيلٍ.

.شَأْنُ وَمَا رَمَيْت إذْ رَمَيْت:

وَأَخَذَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِلْءَ كَفّهِ مِنْ الْحَصْبَاءِ فَرَمَى بِهَا وُجُوهَ الْعَدُوّ فَلَمْ تَتْرُكْ رَجُلًا مِنْهُمْ إلّا مَلَأَتْ عَيْنَيْهِ وَشُغِلُوا بِالتّرَابِ فِي أَعْيُنِهِمْ وَشُغِلَ الْمُسْلِمُونَ بِقَتْلِهِمْ فَأَنْزَلَ اللّهُ فِي شَأْنِ هَذِهِ الرّمْيَةِ عَلَى رَسُولِهِ. {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنّ اللّهَ رَمَى} [الْأَنْفَالِ 17] وَقَدْ ظَنّ طَائِفَةٌ أَنّ الْآيَةَ دَلّتْ عَلَى نَفْيِ الْفِعْلِ عَنْ الْعَبْدِ وَإِثْبَاتِهِ لِلّهِ وَأَنّهُ هُوَ الْفَاعِلُ حَقِيقَةً وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ مِنْ وُجُوهٍ عَدِيدَةٍ مَذْكُورَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ أَنّ اللّهَ سُبْحَانَهُ أَثْبَتَ لِرَسُولِهِ ابْتِدَاءَ الرّمْيِ وَنَفَى عَنْهُ الْإِيصَالَ الّذِي لَمْ يَحْصُلْ بِرَمْيَتِهِ فَالرّمْيُ يُرَادُ بِهِ الْحَذْفُ وَالْإِيصَالُ فَأَثْبَتَ لِنَبِيّهِ الْحَذْفَ وَنَفَى عَنْهُ الْإِيصَالَ.

.مُشَارَكَةُ الْمَلَائِكَةِ:

وَكَانَتْ الْمَلَائِكَةُ يَوْمَئِذٍ تُبَادِرُ الْمُسْلِمِينَ إلَى قَتْلِ أَعْدَائِهِمْ قَالَ ابْنُ عَبّاسٍ: بَيْنَمَا رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ يَشْتَدّ فِي أَثَرِ رَجُلٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ أَمَامَهُ إذْ سَمِعَ ضَرْبَةً بِالسّوْطِ فَوْقَهُ وَصَوْتُ الْفَارِسِ فَوْقَهُ يَقُولُ أَقْدِمْ حَيْزُومَ إذْ نَظَرَ إلَى الْمُشْرِكِ أَمَامَهُ مُسْتَلْقِيًا، فَنَظَرَ إلَيْهِ فَإِذَا هُوَ قَدْ خُطِمَ أَنْفُهُ وَشُقّ وَجْهُهُ كَضَرْبَةِ السّوْطِ فَاخْضَرّ ذَلِكَ أَجْمَعُ فَجَاءَ الْأَنْصَارِيّ فَحَدّثَ بِذَلِكَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ صَدَقْتَ ذَلِكَ مِنْ مَدَدِ السّمَاءِ الثّالِثَةِ وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ الْمَازِنِيّ: إنّي لَأَتْبَعُ رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لِأَضْرِبَهُ إذْ وَقَعَ رَأْسُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَيْهِ سَيْفِي، فَعَرَفْتُ أَنّهُ قَدْ قَتَلَهُ غَيْرِي. وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ بِالْعَبّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ أَسِيرًا، فَقَالَ الْعَبّاسُ إنّ هَذَا وَاَللّهِ مَا أَسَرَنِي، لَقَدْ أَسَرَنِي رَجُلٌ أَجْلَحُ مِنْ أَحْسَنِ النّاسِ وَجْهًا، عَلَى فَرَسٍ أَبْلَقَ مَا أَرَاهُ فِي الْقَوْمِ فَقَالَ الْأَنْصَارِيّ أَنَا أَسِرْتُهُ يَا رَسُولَ اللّهِ فَقَالَ اُسْكُتْ فَقَدْ أَيّدَكَ اللّهُ بِمَلَكٍ كَرِيمٍ وَأُسِرَ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ ثَلَاثَةٌ الْعَبّاسُ وَعُقَيْلٌ وَنَوْفَلُ بْنُ الْحَارِثِ.

.قِصّةُ إبْلِيسَ مَعَ أَبِي جَهْلٍ:

وَذَكَرَ الطّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمِهِ الْكَبِيرِ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، قَالَ لَمّا رَأَى إبْلِيسُ مَا تَفْعَلُ الْمَلَائِكَةُ بِالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ، أَشْفَقَ أَنْ يَخْلُصَ الْقَتْلُ إلَيْهِ فَتَشَبّثَ بِهِ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ، وَهُوَ يَظُنّهُ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ فَوَكَزَ فِي صَدْرِ الْحَارِثِ فَأَلْقَاهُ ثُمّ خَرَجَ هَارِبًا حَتّى أَلْقَى نَفْسَهُ فِي الْبَحْرِ وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ اللّهُمّ إنّي أَسْأَلُكَ نَظْرَتَك إيّايَ وَخَافَ أَنْ يَخْلُصَ إلَيْهِ الْقَتْلُ فَأَقْبَلَ أَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النّاسِ لَا، يَهْزِمَنّكُمْ خِذْلَانُ سُرَاقَةَ إيّاكُمْ فَإِنّهُ كَانَ عَلَى مِيعَادٍ مِنْ مُحَمّدٍ وَلَا يَهُولَنّكُمْ قَتْلُ عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ وَالْوَلِيدِ فَإِنّهُمْ قَدْ عَجّلُوا، فَوَاللّاتِ وَالْعُزّى، لَا نَرْجِعُ حَتّى نَقْرِنَهُمْ بِالْحِبَالِ وَلَا أُلْفِيَنّ رَجُلًا مِنْكُمْ قَتَلَ رَجُلًا مِنْهُمْ وَلَكِنْ خُذُوهُمْ أَخْذًا حَتّى نُعَرّفَهُمْ سُوءَ صَنِيعِهِمْ.

.دُعَاءُ أَبِي جَهْلٍ لِرَبّهِ:

وَاسْتَفْتَحَ أَبُو جَهْلٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَقَالَ اللّهُمّ أَقْطَعْنَا لِلرّحِمِ وَآتَانَا بِمَا لَا نَعْرِفُهُ فَأَحِنْهُ الْغَدَاةَ اللّهُمّ أَيّنَا كَانَ أَحَبّ إلَيْكَ وَأَرْضَى عِنْدَكَ فَانْصُرْهُ الْيَوْمَ فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنّ اللّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الْأَنْفَالِ 19].

.كَرَاهَةُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ لِأَسِرْ الْمُشْرِكِينَ:

وَلَمّا وَضَعَ الْمُسْلِمُونَ أَيْدِيَهُمْ فِي الْعَدُوّ يَقْتُلُونَ وَيَأْسِرُونَ وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ وَاقِفٌ عَلَى بَابِ الْخَيْمَةِ الّتِي فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَهِيَ الْعَرِيشُ مُتَوَشّحًا بِالسّيْفِ فِي نَاسٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، رَأَى رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي وَجْهِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ الْكَرَاهِيَةَ لِمَا يَصْنَعُ النّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ كَأَنّكَ تَكْرَهُ مَا يَصْنَعُ النّاسُ؟ قَالَ أَجَلْ وَاَللّهِ كَانَتْ أَوّلَ وَقْعَةٍ أَوْقَعَهَا اللّهُ بِالْمُشْرِكِينَ وَكَانَ الْإِثْخَانُ فِي الْقَتْلِ أَحَبّ إلَيّ مِنْ اسْتِبْقَاءِ الرّجَالِ.

.إجْهَازُ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى أَبِي جَهْلٍ:

وَلَمّا بَرَدَتْ الْحَرْبُ وَوَلّى الْقَوْمُ مُنْهَزِمِينَ قَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ يَنْظُرُ لَنَا مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ، فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ حَتّى بَرَدَ وَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ؟ فَقَالَ لِمَنْ الدّائِرَةُ الْيَوْمَ؟ فَقَالَ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ وَهَلْ أَخْزَاكَ اللّهُ يَا عَدُوّ اللّهِ؟ فَقَالَ وَهَل فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللّهِ ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَقَالَ قَتَلْتُهُ فَقَالَ اللّهُ الّذِي لَا إلَهَ إلّا هُوَ فَرَدّدَهَا ثَلَاثًا، ثُمّ قَالَ اللّهُ أَكْبَرُ الْحَمْدُ لِلّهِ الّذِي صَدَقَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ انْطَلِقْ أَرِنِيهِ فَانْطَلَقْنَا فَأَرَيْته إيّاهُ فَقَالَ سس هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الْأُمّةِ.

.قَتْلُ أُمَيّةَ بْنِ خَلَفٍ وَابْنِهِ:

وَأَسَرَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أُمَيّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيّا، فَأَبْصَرَهُ بِلَالٌ وَكَانَ أُمَيّةُ يُعَذّبُهُ بِمَكّةَ فَقَالَ رَأْسُ الْكُفْرِ أُمَيّةُ بْنُ خَلَفٍ لَا نَجَوْتُ إنْ نَجَا، ثُمّ اسْتَوْخَى جَمَاعَةً مِنْ الْأَنْصَارِ، وَاشْتَدّ عَبْدُ الرّحْمَنِ بِهِمَا يُحْرِزُهُمَا مِنْهُمْ فَأَدْرَكُوهُمْ فَشَغَلَهُمْ عَنْ أُمَيّةَ بِابْنِهِ فَفَرَغُوا مِنْهُ ثُمّ لَحِقُوهُمَا، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرّحْمَنِ اُبْرُكْ فَبَرَكَ فَأَلْقَى نَفْسَهُ عَلَيْهِ فَضَرَبُوهُ بِالسّيُوفِ مِنْ تَحْتِهِ حَتَى قَتَلُوهُ وَأَصَابَ بَعْضُ السّيُوف رِجْلَ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ لَهُ أُمَيّةُ قَبْلَ ذَلِكَ مَنْ الرّجُلُ الْمُعَلّمُ فِي صَدْرِهِ بِرِيشَةِ نَعَامَةٍ؟ فَقَالَ ذَلِكَ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ فَقَالَ ذَاكَ الّذِي فَعَلَ بِنَا الْأَفَاعِيلَ وَكَانَ مَعَ عَبْدِ الرّحْمَنِ أَدْرَاعٌ قَدْ اسْتَلَبَهَا، فَلَمّا رَآهُ أُمَيّةُ قَالَ لَهُ أَنَا خَيْرٌ لَكَ مِنْ هَذِهِ الْأَدْرَاعِ فَأَلْقَاهَا وَأَخَذَهُ فَلَمّا قَتَلَهُ الْأَنْصَارُ، كَانَ يَقُولُ يَرْحَمُ اللّهُ بِلَالًا، فَجَعَنِي بِأَدْرَاعِي وَبِأَسِيرِي.

.انْقِطَاعُ سَيْفِ عُكّاشَةَ:

وَانْقَطَعَ يَوْمَئِذٍ سَيْفُ عُكّاشَةَ بْنِ مِحْصَنٍ، فَأَعْطَاهُ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ جِذْلًا مِنْ حَطَبٍ فَقَالَ دُونَكَ هَذَا فَلَمّا أَخَذَهُ عُكّاشَةُ وَهَزّهُ عَادَ فِي يَدِهِ سَيْفًا طَوِيلًا شَدِيدًا أَبْيَضَ فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَهُ يُقَاتِلُ بِهِ حَتّى قُتِلَ فِي الرّدّةِ أَيّامَ أَبِي بَكْرٍ.

.قَتْلُ الزّبَيْرِ عُبَيْدَةَ بِحَرْبَتِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ هَذِهِ الْحَرْبَةِ:

وَلَقِيَ الزّبَيْرُ عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدٍ بْنِ الْعَاصِ، وَهُوَ مُدَجّجٌ فِي السّلَاحِ لَا يُرَى مِنْهُ إلّا الْحَدَقُ فَحَمَلَ عَلَيْهِ الزّبَيْرُ بِحَرْبَتِهِ فَطَعَنَهُ فِي عَيْنِهِ فَمَاتَ فَوَضَعَ رِجْلَهُ عَلَى الْحَرْبَةِ ثُمّ تَمَطّى، فَكَانَ الْجَهْدُ أَنْ نَزَعَهَا، وَقَدْ انْثَنَى طَرَفَاهَا، قَالَ عُرْوَةُ فَسَأَلَهُ إيّاهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَأَعْطَاهُ إيّاهَا، فَلَمّا قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَخَذَهَا، ثُمّ طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ إيّاهَا، فَلَمّا قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهُ إيّاهَا عُمَرُ فَأَعْطَاهُ إيّاهَا، فَلَمّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا، ثُمّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ فَأَعْطَاهُ إيّاهَا، فَلَمّا قُبِضَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيّ فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللّهِ بْنُ الزّبَيْرِ، وَكَانَتْ عِنْدَهُ حَتّى قُتِلَ.

.فَقْءُ عَيْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ:

وَقَالَ رِفَاعَةُ بْنُ رَافِعٍ: رُمِيتُ بِسَهْمٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَفُقِئَتْ عَيْنِي، فَبَصَقَ فِيهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَدَعَا لِي، فَمَا آذَانِي مِنْهَا شَيْءٌ.

.وُقُوفُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ عَلَى الْقَتْلَى:

وَلَمّا انْقَضَتْ الْحَرْبُ أَقْبَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ حَتّى وَقَفَ عَلَى الْقَتْلَى فَقَالَ بِئْسَ عَشِيرَةُ النّبِيّ كُنْتُمْ لِنَبِيّكُمْ، كَذّبْتُمُونِي، وَصَدّقَنِي النّاسُ وَخَذَلْتُمُونِي وَنَصَرَنِي النّاسُ وَأَخْرَجْتُمُونِي وَآوَانِي النّاسُ ثُمّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا إلَى قَلِيبٍ مِنْ قُلُبِ بَدْرٍ، فَطُرِحُوا فِيهِ ثُمّ وَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ وَيَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، وَيَا فُلَانُ وَيَا فُلَانُ هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبّكُمْ حَقّا، فَإِنّي وَجَدْت مَا وَعَدَنِي رَبّي حَقّا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ: يَا رَسُولَ اللّهِ مَا تُخَاطِبُ مِنْ أَقْوَامٍ قَدْ جَيّفُوا؟ فَقَالَ وَاَلّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ وَلَكِنّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ الْجَوَابَ ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثًا، وَكَانَ إذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِعَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا.

.رُجُوعُهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ بَدْرٍ:

ثُمّ ارْتَحَلَ مُؤَيّدًا مَنْصُورًا، قَرِيرَ الْعَيْنِ بِنَصْرِ اللّهِ لَهُ وَمَعَهُ الْأُسَارَى وَالْمَغَانِمُ فَلَمّا كَانَ بِالصّفْرَاءِ، قَسَمَ الْغَنَائِمَ وَضَرَبَ عُنُقَ النّضْرِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ كَلَدَةَ، ثُمّ لَمّا نَزَلَ بِعِرْقِ الظّبْيَةِ، ضَرَبَ عُنُقَ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ. وَدَخَلَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ الْمَدِينَةَ مُؤَيّدًا مُظَفّرًا مَنْصُورًا قَدْ خَافَهُ كُلّ عَدُوّ لَهُ الْمَدِينَةَ وَحَوْلَهَا، فَأَسْلَمَ بَشَرٌ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَحِينَئِذٍ دَخَلَ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ الْمُنَافِقُ وَأَصْحَابُهُ فِي الْإِسْلَامِ ظَاهِرًا.

.جُمْلَةُ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا:

وَجُمْلَةُ مَنْ حَضَرَ بَدْرًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، مِنْ الْمُهَاجِرِينَ سِتّةٌ وَثَمَانُونَ وَمِنْ الْأَوْسِ أَحَدٌ وَسِتّونَ وَمِنْ الْخَزْرَجِ مِائَةٌ وَسَبْعُونَ وَإِنّمَا قَلّ عَدَدُ الْأَوْسِ عَنْ الْخَزْرَجِ، وَإِنْ كَانُوا أَشَدّ مِنْهُمْ وَأَقْوَى شَوْكَةً وَأَصْبَرَ عِنْدَ اللّقَاءِ لِأَنّ مَنَازِلَهُمْ كَانَتْ فِي عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَجَاءَ النّفِيرُ وَقَالَ النّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ لَا يَتْبَعُنَا إلّا مَنْ كَانَ ظَهْرُهُ حَاضِرًا فَاسْتَأْذَنَهُ رِجَالٌ ظُهُورُهُمْ فِي عُلْوِ الْمَدِينَةِ أَنْ يَسْتَأْنِيَ بِهِمْ حَتّى يَذْهَبُوا إلَى ظُهُورِهِمْ فَأَبَى وَلَمْ يَكُنْ عَزْمُهُمْ عَلَى اللّقَاءِ وَلَا أَعَدّوا لَهُ عُدّتَهُ وَلَا تَأَهّبُوا لَهُ أُهْبَتَهُ وَلَكِنْ جَمَعَ اللّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ.

.شُهَدَاءُ الْمُسْلِمِينَ:

وَاسْتُشْهِدَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا: سِتّةٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَسِتّةٌ مِنْ الْخَزْرَجِ، وَاثْنَانِ مِنْ الْأَوْسِ، وَفَرَغَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ شَأْنِ بَدْرٍ وَالْأُسَارَى فِي شَوّالٍ.

.فصل غَزْوَةُ بَنِي سُلَيْمٍ:

ثُمّ نَهَضَ بِنَفْسِهِ صَلَوَاتُ اللّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ بِسَبْعَةِ أَيّامٍ إلَى غَزْوِ بَنِي سُلَيْمٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سِبَاعَ بْنَ عَرْفَطَةَ، وَقِيلَ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فَبَلَغَ مَاءً يُقَالُ لَهُ الْكُدْرُ، فَأَقَامَ عَلَيْهِ ثَلَاثًا، ثُمّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَلْقَ كَيْدًا.

.فصل غَزْوَةُ السّوِيقِ:

وَلَمّا رَجَعَ فَلّ الْمُشْرِكِينَ إلَى مَكّةَ مَوْتُورِينَ مَحْزُونِينَ نَذَرَ أَبُو سُفْيَانَ أَنْ لَا يَمَسّ رَأْسَهُ مَاءٌ حَتّى يَغْزُوَ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي مِائَتَيْ رَاكِبٍ حَتّى أَتَى الْعَرِيضَ فِي طَرَفِ الْمَدِينَةِ، وَبَاتَ لَيْلَةً وَاحِدَةً عِنْدَ سِلَامِ بْنِ مِشْكَمٍ الْيَهُودِيّ فَسَقَاهُ الْخَمْرَ وَبَطَنَ لَهُ مِنْ خَبَرِ النّاسِ فَلَمّا أَصْبَحَ قَطَعَ أَصْوَارًا مِنْ النّخْلِ الْأَنْصَارِ وَحَلِيفًا لَهُ ثُمّ كَرّ رَاجِعًا، وَنَذِرَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ فَبَلَغَ قَرْقَرَةَ الْكُدْرِ، وَفَاتَهُ أَبُو سُفْيَانَ وَطَرَحَ الْكُفّارُ سَوِيقًا كَثِيرًا مِنْ أَزْوَادِهِمْ يَتَخَفّفُونَ بِهِ فَأَخَذَهَا الْمُسْلِمُونَ فَسُمّيَتْ غَزْوَةَ السّوِيقِ، وَكَانَ ذَلِكَ بَعْدَ بَدْرٍ بِشَهْرَيْنِ. فَأَقَامَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِالْمَدِينَةِ بَقِيّةَ ذِي الْحِجّةِ ثُمّ غَزَا نَجْدًا يُرِيدُ غَطَفَانَ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ عُثْمَانَ بْنَ عَفّانَ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُ فَأَقَامَ هُنَاكَ صَفَرًا كُلّهُ مِنْ السّنَةِ الثّالِثَةِ ثُمّ انْصَرَفَ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا.

.فصل غَزْوَةُ الْفُرْعِ:

فَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ رَبِيعًا الْأَوّلَ ثُمّ خَرَجَ يُرِيدُ قُرَيْشًا، وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمّ مَكْتُومٍ، فَبَلَغَ بَحْرَانَ مَعْدِنًا بِالْحِجَازِ مِنْ نَاحِيَةِ الْفُرْعِ، وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا، فَأَقَامَ هُنَالِكَ رَبِيعًا الْآخَرَ وَجُمَادَى الْأُولَى، ثُمّ انْصَرَفَ إلَى الْمَدِينَةِ.

.فصل غَزْوَةُ بَنِي قَيْنُقَاعَ:

ثُمّ غَزَا بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَكَانُوا مِنْ يَهُودِ الْمَدِينَةِ، فَنَقَضُوا عَهْدَهُ فَحَاصَرَهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَيْلَةً حَتّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَشَفَعَ فِيهِمْ عَبْدُ اللّهِ بْنُ أُبَيّ، وَأَلَحّ عَلَيْهِ فَأَطْلَقَهُمْ لَهُ وَهُمْ قَوْمُ عَبْدِ اللّهِ بْنِ سَلَامٍ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ مُقَاتِلٍ وَكَانُوا صَاغَةً وَتُجّارًا.

.فَصْلٌ فِي قَتْلِ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ:

وَكَانَ رَجُلًا مِنْ الْيَهُودِ وَأُمّهُ مِنْ بَنِي النّضِيرِ وَكَانَ شَدِيدَ الْأَذَى لِرَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَكَانَ يُشَبّبُ فِي أَشْعَارِهِ بِنِسَاءِ الصّحَابَةِ فَلَمّا كَانَتْ وَقْعَةُ بَدْرٍ ذَهَبَ إلَى مَكّةَ وَجَعَلَ يُؤَلّبُ عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ثُمّ رَجَعَ الى الْمَدِينَةِ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنّهُ قَدْ آذَى اللّهَ وَرَسُولَهُ فَانْتُدِبَ لَهُ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَعَبّادُ بْنُ بِشْرٍ وَأَبُو نَائِلَةَ وَاسْمُهُ سلكان بْنُ سَلَامَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرّضَاعِ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَأَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَأَذِنَ لَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْ يَقُولُوا مَا شَاءُوا مِنْ كَلَامٍ يَخْدَعُونَهُ بَهْ فَذَهَبُوا إلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ وَشَيّعَهُمْ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ إلَى بَقِيعِ الْغَرْقَدِ فَلَمّا انْتَهَوْا إلَيْهِ قَدّمُوا سلكان بْنَ سَلَامَةَ إلَيْهِ فَأَظْهَرَ لَهُ مُوَافَقَتَهُ عَلَى الِانْحِرَافِ عَنْ رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَشَكَا إلَيْهِ ضِيقَ حَالِهِ فَكَلّمَهُ فِي أَنْ يَبِيعَهُ وَأَصْحَابَهُ طَعَامًا وَيَرْهَنُونَهُ سِلَاحَهُمْ فَأَجَابَهُمْ إلَى ذَلِكَ. وَرَجَعَ سلكان إلَى أَصْحَابِهِ فَأَخْبَرَهُمْ فَأَتَوْهُ فَخَرَجَ إلَيْهِمْ مِنْ حِصْنِهِ فَتَمَاشَوْا فَوَضَعُوا عَلَيْهِ سُيُوفَهُمْ وَوَضَعَ مُحَمّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مِغْوَلًا كَانَ مَعَهُ فِي ثِنَتِهِ فَقَتَلَهُ وَصَاحَ عَدُوّ اللّهِ صَيْحَةً شَدِيدَةً أَفْزَعَتْ مَنْ حَوْلَهُ. وَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَجَاءَ الْوَفْدُ حَتّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ آخِرِ اللّيْلِ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلّي وَجُرِحَ الْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ بِبَعْضِ سُيُوفِ أَصْحَابِهِ فَتَفَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فَبَرِئَ فَأَذِنَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ فِي قَتْلِ مَنْ وَجَدَ مِنْ الْيَهُودِ لِنَقْضِهِمْ عَهْدَهُ وَمُحَارَبَتِهِمْ اللّهَ وَرَسُولَهُ.